المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:
[وغايةُ شُبهتهُم أنهم يقولون: يَلزمُ مِنه التشبيه والتجسيم؟
فيُقال لهم: إذا قلنا: إنَّهُ تَعَالَى يَتَكلَّمُ كَما يليقُ بِجَلالهِ انتفتْ شُبهتُهم. ألا ترى أنه تَعَالَى قَالَ: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ))[يّـس:65] فَنحنُ نُؤمنُ أنَّها تكَلَّم، ولا نعلم كيف تتكلم، وكذا قوله تعالى: ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ))[فصلت:21] وكذلك تسبيح الحصا والطعام وسلام الحجر كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من الرئة المعتمد عَلَى مقاطع الحروف.
وإلى هذا أشار الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- بقوله: "منه بدا بلا كيفية قولاً"، أي ظهر منه ولا ندري كيفية تكلمه به، وأكد هذا المعنى بقوله "قولاً"، أتى بالمصدر المعرف للحقيقة، كما أكد الله تَعَالَى التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز في قوله:
((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً))[النساء:164]. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
ولقد قال بعضهم لـأبي عمرو بن العلاء -أحد القراء السبعة-: أُرِيدُ أَنْ تَقرأ:
((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى))[النساء:164] بنصب اسم الله، ليكون موسى هو المتكلم لا الله! فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى:
((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ))[الأعراف:143]؟ فبهت المعتزلي!] إهـ.

الشرح:
شبهتهم متكررة قلّ أن يتركها أهل البدع في جميع صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهي أنهم يأتون بلوازم تخترعها عقولهم الكليلة القاصرة في حق الله تعالى، فيقولون يلزم كذا ويلزم كذا إِلَى غير ذلك. ونذكر ما حدث لـابن فورك عند دخوله عَلَى المجاهد محمود بن سبكتكين الذي فتح أكثر بلاد الهند.
فكان ذات مرة يتكلم وعنده أحد علماء أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فسأل عن علو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فأنكر ابن فورك ذلك وهو من أئمة الأشعرية في التأويل ألف كتاب مشكل الحديث وبيانه كله تأويلات.
فَقَالَ لـمحمود وهو سلطان قائد عسكري فاتح لا يعرف علم الكلام ولا يعرف الأدلة واستنباطاتها: يلزمك إذا أثبتَّ له فوق أن تثبت له تحت، فَقَالَ له محمود السلطان بكل بساطة وهدوء: أنا لا يلزمني شيء؛ لأنه هو الذي أخبر أنه فوق، فأنا أقولُ بما أَخبرَ، أي إن كَانَ هناك ما يلزمني فيلزمه هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأنه هو الذي قال ذلك، وهل بإمكان أحد أن يلزم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشيء!
فيقول يا رب: أثبتَّ لنفسك العلو فيلزمك أن تثبت كذا عياذاً بالله!! فهذا هو الجواب الفطري الصحيح عَلَى جميع شبهاتهم وضلالاتهم، وكل الإلزامات، وكل الإيرادات التي يوردونها تنتفي وتنتهي عندما نقول: إن هذا كلام الله وكلام رسوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن أراد منكم أن يلزم فليلزمهما، أما نَحْنُ فلا يلزمنا شيء إلا أنه يلزمنا أن نؤمن بكلام الله ورسوله.
  1. شبهة من قال: إن إثبات الكلام لله تعالى يلزم منه التشبيه والتعطيل

    إن أرباب الكلام من معتزلة وكلابية وأشعرية وجهمية يقولون: إن إثبات الصوت يلزم منه هواء يتردد في الرئة، ويلزم منه شفتان، ويلزم منه حنجرة وقصبة هوائية! سُبْحانَ اللَّه! من أين جئتم بهذه اللوازم؟
    حتى الذين يؤمنون بإثبات صفة الكلام، ومنهم بعض الكُتّاب المعاصرين ردوا عليهم بأن قالوا: ونحن نثبت لله كلاماً، لكن من غير شفتين ولا لسان ولا قصبة هوائية ولا رئة ولا هواء ولا نفس، فأولئك أخطؤا في حق الله عَزَّ وَجَلَّ لما قالوا يلزم أن نثبت له هذا، والآخرون قالوا نثبت بلا كذا...، يكفيك أن تقول: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[الشورى:11]
    ومن الذي يرد في خاطره أو يجول في باله أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى كالمخلوق في هذه الأمور، أو في هذه اللوازم، إلا من كَانَ ضعيف الإيمان أو ضعيف العقل أو جاءه الشيطان بشبهة، وهذا عليه أن يطردها لا أن يقرَّرها، وقولهم هذا دليل عَلَى أنهم لم ينفوا ولم يعطلوا الصفات إلا لمَّا خطر في أذهانهم التشبيه، فأول الأمر شبهوا، فلما وقع التشبيه في قلوبهم لم يجدوا إلا أن يدفعوه بالنفي والتعطيل، فَقَالُوا: ما دام أن الكلام لا يتصور إلا بالشفة واللهاة والقصبة الهوائية والرئه والهواء والنفس وكذا.. إلخ.
    إذاً ندفع ذلك كله ونقول: إنه لا يتكلم أبداً، فنجعله أصم لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى إِلَى آخر ما وصفوا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى به، وما نفوا به صفاته.
  2. الرد على هذه الشبهة

    ولذلك يرد عليهم المُصنِّف -رحمه الله تعالى- بقوله: [يُقالُ لهم إذا قلنا: إنه تَعَالَى يتكلم كما يليق بجلاله انتفت شبههم] وكلامه -جل شأنه- يليق بجلاله، وكماله المقدس، وكلام المخلوقين يليق بهم. فكل شيء تكلم به، فإنه يتكلم بكلام يليق به، وعلى الصفة التي هو عليها دون أن نلزمه بصفة شيء آخر.
    ومن أوضح الأمثلة عَلَى ذلك أننا في هذا العصر نسمع من آلات التسجل كلاماً، وهي لا يوجد فيها اللسان ولا الشفتان ولا اللهاة ولا القصبة ولا النفس، وإنما هي آلات مخترعة ومع ذلك تحتفظ بالصوت وتردده وتخرج الكلام من جنس ما صنعه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أو ما صنعه الإِنسَان عَلَى الكيفية التي أرادها الله، ووفّق الله الإِنسَان فصنعها عليها، ومن الممكن أن توجد بطريقة وبأشكال أخرى، وكذلك مسألة الاحتفاظ بالصوت، فقد كانت بدائية قديمة، والآن تطورت وسيلة الحفظ، ويمكن أن تتطور إِلَى أشكال أخرى، ومع ذلك الصوت يسمع منها وهذا في المخلوقات.

    وضرب المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُه تَعَالَى هنا أمثلة منها تكليم الأعضاء يَوْمَ القِيَامَةِ: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) [يّـس:65].
    فأعضاء الإِنسَان يَوْمَ القِيَامَةِ تتكلم وتنطق ويختم الله تَعَالَى عَلَى الأفواه، كما قال ذلك في سورة فصلت، وعندها يستغرب المجرمون الظالمون أن تشهد عليهم أعضاؤهم ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ))[فصلت:21] فهو سبحانه أنطق كل شيء، وينطق كل شيء كما يشاء الله، ومتى شاء، فلو شاء لنطق الهواء، ولو شاء لنطقت الأرض، ولو شاء لأنطق أي شيء يريده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكذلك تسبيح الحصا والطعام وكلام الحجر، هذا كله من الآيات البينات التي أظهرها الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ذلك بلا فم يخرج منه الصوت الصاعد من الرئة المعتمد عَلَى مقاطع الحروف، وهذه كلها من غير الأصوات المعروفة لبني آدم، فليس هناك صوت وليس هناك شفة ولا لهاة إِلَى آخر اللوازم التي قدروها.

    هذه الشبهة التي تلازمنا دائماً في عدة أبحاث؛ فنجدهم في الرؤية يقولون: يلزم من رؤية الله أن يكون جسماً، وأن يكون مقابلاً، ويلزم منه أن يكون منفعلاً سُبْحانَ اللَّه!
    كل هذه شبهة واحدة يكررونها جميعاً فيلزمون ربهم تَبَارَكَ وَتَعَالَى بما يلزمون به المخلوق، فهم يقيسون عَلَى ما يرون من هذا المخلوق العاجز الضعيف الكليل، الذي لا يستطيع أن يتكلم أو ينطق إلا بالوسائل التي جعلها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى له، والذي نردُّ به عليهم دائماً هو أن كلام الله يليق بجلاله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولا يشبهه أحد من خلقه لا في كلامه ولا في غير ذلك من صفاته
    ويقول المُصنِّف إن أبا جعفر الطحاوي صرح بنفي الكيفية عندما قَالَ: [إن القُرْآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولاً] فأشار إِلَى أن الكيفية التي تتخيلها أو تتوهمها عقول البشر منفية عن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
    ثُمَّ قال المصنف: (قولاً) وكلمة قولاً هنا مهمة، فالإمام أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله تعالى- لما قال قولاً إنما يؤكد عَلَى حقيقة القول، وأن القُرْآن الذي هو كلام الله: هو هذا المتلو أو المسموع أو المحفوظ المكتوب بين الدفتين وليس الكلام المخفي وهذا احتراز جيد من الإمام ابن أبي العز -رَحِمَهُ اللَّهُ- عندما نبه إِلَى هذه الكلمة، لأنه سبق أن قلنا: إن بعض الماتريدية شرح العقيدة الطّّحاوية عَلَى أساس أنهم حنفية والإمام أبو جعفر الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللَّهُ حنفي، فأولوها بما يوافق مذهبهم، لكن الإمام ابن أبي العز رَحِمَهُ اللَّهُ، هنا إذا مرت به كلمة حاسمة في الموضوع لا تحتمل التأويل أكدها ليرد عليهم، ولذلك يقول المُصنِّف [أتى بالمصدر المعرف للحقيقة تأكيداً، كما أكد الله تَعَالَى في التكليم بالمصدر المثبت للحقيقة النافي للمجاز الذي يقطع أي احتمال في قوله تعالى: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)) [النساء:164]].
    فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما ذكر المصدر المؤكد "تكليماً" أكد الحقيقة ونفى أي احتمال للمجاز أو التأويل أو التحريف.
    كما تقول: رأيت فلاناً رؤيةً، أو شاهدته مشاهدة، فإنك تقطع بذلك احتمال أن تكون رأيته في المنام، أو رأيته عن طريق واحد بالإخبار، وتقول: كلمته كلاماً، فمعنى ذلك أنه مشافهة ولم تكلمه مثلاً في رسالة أو في كتاب خطي أو نحو ذلك.

    ومع ذلك قال المعطلة: نقرأها وكلم اللهَ موسى تكليماً بنصب لفظ الجلالة (اللهَ)، فيكون موسى هو الذي كلم اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    فرد عليهم أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بما جَاءَ في الآية الأخرى، ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ))[الأعراف:143] فكيف يمكن أن يؤولوا هذه! مع العلم أن القُرْآن إنما يقرأ بالتلقي، بل حتى القراءات وإن كانت صحيحة الإسناد، ولكنها ليست متواترة لا يجوز أن نقرأ بها، وإنما هي كتفسير أو ما أشبه ذلك، كما هو معلوم في مباحث علوم القرآن.
    وأولوها بتأويل آخر فَقَالُوا: إن التكليم: هو التجريح كما في لغة العرب: فيُقَالُ: فلان كَلَّمه أي جَرَّحه، فَقَالُوا: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً))[النساء:164] أي جَرَّحه تجريحاً. ما معنى هذا الكلام ولماذا جرحه؟
    إنما هي شهوة المروق من الحق، وشهوة التأويل الفاسد، وعدم انقياد قلوبهم وأسماعهم وعقولهم لما أنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولما قاله رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو انقادوا لله ولرسوله وصدقوا ما قاله الله ورسوله لما خطر لهم أن ولا أن يحرفوا كلام الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

    فلذلك عندما يذكر المُصنِّف رحمه الله تعالى القصة التي وقعت لـعمرو بن عبيد فقَالَ: لـأبي عمرو ابن العلاء أحد القراء السبعة المعروفين المشهورين: أريد أن تقرأ ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً))[النساء:164] بنصب اسم الله ل يكون موسى هو المتكلم لا الله.
    قال أبو عمرو: هب أن قراءة هذه الآية كذا وقرأتها كما تقول، فكيف تصنع بقوله تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) [الأعراف:143] فبهت المعتزلي، فهذه القصة من ردود أهل السنة عَلَى المعتزلة، فهم يحاولون أن يؤولوا هذه الآيات بأي نوع من أنواع التأويل، وأن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ردوا كل وجه من هذه الوجوه ومنها هذا الوجه الذي أرادوا أن يقرؤها به، أو قالوا: لِمَ لا نقرأها به ردوه بما أثبته هنا وهي الآية الأخرى ((وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) وهي آية صريحة لا تحتمل أي تأويل، وكذلك لو قلنا من الناحية العقلية:
    وكذلك لو قلنا من الناحية العقلية((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً)) [النساء:164] ما الميزة إذا كَانَ المراد أن موسى كلم الله أو خاطب الله أو دعا الله؟
    فكل خلق الله يدعون الله عَزَّ وَجَلَّ، نَحْنُ جميعاً كلنا ندعو الله تعالى، فما الميزة لموسى عن غيره،
    لو تأملنا بأي وجه من الوجوه فإننا لا نجد لهَؤُلاءِ القوم حجدة ولا سنداً إلا الهوى واتباع الظن ولهذا كَانَ هذا الفاجر عمرو بن عبيد إمام المعتزلة يتمنى ويقول: وددت أنني أحك سورة ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)) [المسد:1] من المصحف والعياذ بالله؛ لأن المعتزلة كانوا قدرية، فلم يستطع عقله القاصر أن يستوعب أن أبا لهب من أهل النَّار رغم أنه ما زال حياً ومخاطب بالدعوة كما قال تعالى: ((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)) [سورة المسد]؟ يقول: نزلت هذه السورة عَلَى أبي لهب وهو لا يزال حي ومخاطب بالدعوة، وفيها إخبار بأنه من أهل النار.
    فجاءت الشبهة: هل أبو لهب مجبور، لماذا لم يقل: أنا آمنت؟
    يقول عمرو بن عبيد: كَانَ في إمكان أبي لهب أن يقول: أنا أؤمن، ومن آمن، فإنه يدخل الجنة، ولا يدخل النار، فيكون قد كذَّب بالقرآن والعياذ بالله.
    فلم يستطع عمرو بن عبيد أن يَحُلَ هذا الإشكال، فليس فيه إلا أن يقول إنه مجبور ويدخل النار، أو يؤمن ولا يكذب القرآن، فهذا الجاهل المسكين لما أخذ يفكر في القدر ويفكر في هذه الآيات وأمثالها بعقله القاصر، ولم يسأل أهل الذكر وقع في هذا الضلال المبين، وهَؤُلاءِ لم يعرف عنهم أنهم سألوا أهل العلم لا عمرو بن عبيد ولا واصل بن عطاء، إنما كانوا في حلقة الحسن البصري رَحِمَهُ اللَّهُ فلما خرجوا عن قول الأئمة بقولهم بالمنـزلة بين المنـزلتين، طردهم الحسن البصري من حلقته، فاعتزلوا وسموا المعتزلة.
    فلو أنهم اتبعوا كلام أهل العلم وسألوهم، أو سلموا أمرهم إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وآمنوا بكتاب الله ما فهموا منه وما لم يفهموا، لما وقعوا في هذا التناقض. فلو أن المؤمن لا يؤمن بأي شيء من كتاب الله ولا من سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا إذا استوعبه عقله وفهمه وعرف أنه غير متناقض لما آمن أحد، وأكثر الْمُسْلِمِينَ لا يستطيعون أن يدركوا معاني الآيات ولا معاني الأحاديث، ولا يستطيعون أن يردوا شبهة الملحدين.
    ومع ذلك هم ولله الحمد عَلَى الإيمان الصحيح، فالثقة في مصدر الكلام هي وحدها تكفي، وهذا أمر يعرفه البشر حتى في حدود أمورهم الدنيوية، فكيف بمن يعترض عَلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وعلى كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ بعقله القاصر الكليل، ويقول كيف تنـزل هذه الآيات؟ أو إذا لم يفهمها سيقول وددت لو أنني حككتها والعياذ بالله، فهم لا يبالون في سبيل إقرار بدعتهم وشبهتهم أن يؤولوا أو يحرفوا، أو أن يفكروا في أن يحكوا الآية من المصحف.

    وهذا من عدم الإيمان واليقين في قلوبهم، والحقيقة: أن الإِنسَان إذا تأمل في سير هَؤُلاءِ، كيف كانت حياتهم، وكيف كانوا يعملون لوجد أنهم أصحاب ضلالات، وأن الغالب عليهم أنهم متعمدون إفساد دين الْمُسْلِمِينَ، وإلا فلو أن الأمر شبهة أو خطأ أو لَبْس، لسألوا عنه أهل العلم ولديهم عقول تفكر، وتبحث عن الصواب؟ لكنها ما دامت مقرة بالفلسفات اليونانية القديمة وبكلام الصابئين والملحدين، وتريد أن تطعن في دين الإسلام، وأن توجه النقد إليه؛ فأقل ما يقَالَ: إنها تهدم بعضه وتثبت بعضه.
    فتقر ما وافق هواها وفلسفاتها وعقولها، وتهدم ما تراه مخالفاً لها.
    فمن هنا جاءتهم شهوة الهدم ومن هنا وقعوا في التخبط ووقعوا في الضلال.
  3. ثبوت تكليم الله لأهل الجنة وغيرهم

    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
    [وكم في الكتاب والسنة من دليل عَلَى تكليم الله تَعَالَى لأهلِ الجنة وغيرهم قال تعالى: ((سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ))[يـس:58] عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا أبصارهم، فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقَالَ: السلام عليكم يا أهل الجنة وهو قول الله تعالى: :((سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)) فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إِلَى شيء مما هم فيه من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم وتبقى بركته ونوره عليهم في ديارهم} رواه ابن ماجه وغيره.
    ففي هذا الحديث إثبات صفة الكلام، وإثبات الرؤية، وإثبات العلو، وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحداً، وقد قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)) [آل عمران:77] فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم وهو الصحيح، إذ قد أخبر في الآية الأخرى أنه يقول لهم في النَّار ((اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ))[المؤمنون:108] فلو كَانَ لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً، وقال البُخَارِيّ في صحيحه (باب كلام الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى مع أهل الجنة) وساق فيه عدة أحاديث، فأفضلُ نعيم أهلِ الجنة رؤيةُ وجهه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وتكليِمه لهم، فإِنكارُ ذلك إِنكَارٌ لروح الجنَّة، وأعلى نعيِمها وأَفضلِه الذي ما طابت لأهلها إلا به] اهـ.

    الشرح:
    ذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: أنه توجد في الكتاب والسنة أدلة كثيرة عَلَى تكليم الله تَعَالَى لأهل الجنة وغيرهم، وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فإنه حديث ضعيف كما علق عَلَى ذلك المحققان والشيخ إنما ذكره -والله أعلم- مع كثرة الأحاديث الصحيحة التي سيذكر بعضها إن شاء الله لعلاقته بالآية، لأن الآية واضحة بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول لهم: السلام عليكم يا أهل الجنة، وذلك قول الله تعالى: ((سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)) [يّـس:58] لأن الآية تدل عَلَى ذلك، فذكر هذا الحديث تفسيراً لها ولأنه توسم فيه إثبات أكثر من صفة لأنه قال فيه إثبات صفة الكلام، وإثبات صفة الرؤية، وإثبات صفة العلو، ففيه أنه اشتمل عَلَى إثبات هذه الثلاث الصفات.
    ولكن ما ذكره بعد ذلك واضح، وهو مثلاً قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)) [آل عمران:77] فنفى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى التكليم عن أُولَئِكَ القوم الذين يشترون بآيات الله وبعهده وأيمانهم ثمناً قليلاً عقوبة لهم، وبين أن معناه أنه لا يكلمهم كلام تكريم، وإلا فإنه يقول لهم: ((اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ))[المؤمنون:108] فيكلمهم، لكن لا يكلمهم كلام تكريم.
  4. من أدلة تكليم الله عز وجل لمن يشاء من خلقه

    لو قلنا عن الله تعالى: إنه لا يتكلم بالكلية، لاستوى في ذلك الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، والذين يعلمون الصالحات من الأَنْبِيَاء والصديقين.
    ويدل عَلَى ذلك الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ وهي أحاديث كثيرة كما ذكر المُصنِّف هنا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان}.
    ويقول لهذا المؤمن: ألم أعطك ألم أغفر لك؟ فيكلمه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حين يدنيه منه بكلام التكريم، وهذا يختلف عن الكلام الذي هو من جنس كلامه لأهل النَّار والعياذ بالله الذين لا يكلمهم، بمعنى: أنه لا يكلمهم كلام رضى، وإنما كلام إهانة وسخط ((اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ)) [المؤمنون:108].
    وقد ذكر الإمام البُخَارِيّ -رحمه الله تعالى- في كتاب التوحيد من صحيحه ذكر عدة أبواب في بيان إثبات الكلام لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقد ردَّ كذلك في كتاب الإيمان، وفي كتاب التوحيد، عَلَى أصناف المبتدعة والجهمية والزنادقة كما عنون لكتابه بذلك، فإنه رد عَلَى أصناف هَؤُلاءِ جميعاً بآيات وأحاديث صحيحة ثابتة، بمعانٍ عديدة مستنبطة، وتَعْجَب من دقته في الفهم، ومن دقته في الاستنباط، ومن ذلك أنه في مجال إثبات كلام الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عقد باباً لكلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأهل الجنة وباباً لقوله تعالى:
    ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً))[النساء:164] وباباً لتكليم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للملائكة، وذكر في كل باب من هذه الأبواب أحاديث صحيحة.
    منها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ {إذا تكلم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بالكلام سمعته الملائكة كسلسلة عَلَى صفوان، فتضع الملائكة أجنحتها خضعاناً لقوله} ثُمَّ تختلف روايات الحديث فمنها، فيمر جبريل عَلَيْهِ السَّلام بأهل كل سماء فيفيقون فيقولون ماذا قال ربكم؟
    قالوا: الحق وهو العلي الكبير، وهذا الحديث هو تفسير لقوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ))[سـبأ:23] فهذه الملائكة تصاب من وقع صوت كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليها بالخضعان -الإغماء- حتى تفيق بعد ذلك ويكون أول من يفيق جبريل، ثُمَّ يمر عَلَى كل أهل سماء فيخبرهم بما يسألون؟ ماذا قال ربكم؟
    فيقولون: قال الحق وهو العلي الكبير، حتى يمر إِلَى السماء الدنيا فيقول ذلك، فيسمعه الجن والشياطين الذين كانوا يقعدون منها مقاعد للسمع.
    ويذكر الإمام البُخَارِيّ -رحمه الله تعالى- أيضاً في باب كلام الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى لأهل الجنة حديث {إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أَدْخَلَ أهل الجنة الجنة يناديهم}، ومنها حديث آدم: {يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يا آدم يا آدم، فيقول لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لبيك وسعديك، فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إِلَى النار} هكذا الرواية، وكما هو معلوم أن البعث إِلَى النَّار بأن يخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إِلَى النار، وواحداً إِلَى الجنة، ولذلك لما جزع أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك أخبرهم أن هَؤُلاءِ هم من قوم يأجوج ومأجوج نسأل الله العافية، وأن الأمة المحمدية ما هي في بقية الأمم إلا مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود.

    وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام البُخَارِيّ أيضاً في هذا الباب معلقاً {أنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ينادي عباده يَوْمَ القِيَامَةِ بصوت يسمعه من بَعُدْ كما يسمعه من قَرُبْ}، وفي ذلك دليل عَلَى أن كلام الله عَزَّ وَجَلَّ يختلف عن كلام جميع المخلوقين، فقوله: {يسمعه من بَعُدْ كما يسمعه من قَرُبْ} هذا خاص بكلامه جل شأنه {فيقول لهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنا: الملك أنا الديان} حتى يسمع ذلك كل من في المحشر فتكون العبرة العظة لنا في هذه الحياة الدنيا، ولكل من يتكبر ويتجبر عَلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فحينما يقول يَوْمَ القِيَامَةِ (لمن الملك اليوم)، فلا يجيب أحد من شدة الهول ومن كرب الموقف، فيجيب عَلَى نفسه، (لله الواحد القهار) نسأل الله أن يرحمنا.
    ومما أورد الإمام البُخَارِيّ-رحمه الله تعالى- أيضاً في هذا الباب كلام الرب لجبريل في باب كلام الله مع الملائكة وأورد فيه الحديث الصحيح المعروف {إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذا أحب عبداً، نادى جبريل، فَيَقُولُ: يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه...} الحديث.
    فهذا كلام من الله عز وجل يخاطب به جبريل، وجبريل يسمعه. وأورد أيضاً حديثاً آخر وهو حديث: {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويصعدون إِلَى الجبار تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فيسألهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون} وهذا خطاب بين الله تَعَالَى وبين الملائكة، وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة التي يخاطب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيها خلقه، كما خاطب الملائكة لمّا خلق آدم عَلَيْهِ السَّلام، وكما خاطب موسى عَلَيْهِ السَّلام، وكما يخاطب يَوْمَ القِيَامَةِ المؤمنين في الجنة ويخاطب الملائكة.
    ومما ذكره الإمام البُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ أيضاً: خطاب الله تَعَالَى لأهل الجنة وهو: {إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذا أدخل أهل الجنة الجنة يسألهم جل شأنه، فَيَقُولُ: يا أهل الجنة!
    فيقولون: لبيك ربنا وسعديك.
    فيقول لهم الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى: هل رضيتم؟
    فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين؟
    فَيَقُولُ: أفلا أعطيكم ما هو أفضل من ذلك!
    فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك يا رب؟
    فيقول أن أرضى عليكم فلا أحل عليكم سخطي أبداً}
    .
    وهذا تفسير لقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)) [التوبة:72] فرضوان الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أكبر من كل نعيم نسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يجعلنا وإياكم من أهل رضوانه وجنته.

    والمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ أشار هنا إِلَى عدة مواضع ذكرها البُخَارِيّ رحمه الله تعالى في صحيحه، وهي قوله باب كلام الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى مع أهل الجنة، وساق فيه عدة أحاديث قَالَ: [فأفضل نعيم لأهل الجنة هو رؤية وجهه تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وتكليمه لهم؛ فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به] وهذا حق، وسوف نأتي -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى مبحث إثبات الرؤية وهناك نأتي عَلَى هذه الأحاديث بالتفصيل.
    ويتبين لنا أن رؤية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هي أعظم نعيم في الجنة، وهي المزيد الذي يجعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قَالَ: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) [يونس:26] فرؤية وجه الله تَعَالَى زيادةٌ عَلَى الجنة، فهي أعظم النعيم، فمن أنكر كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأهل الجنة ورؤيتهم له فقد أنكر أعلى وأفضل نعيم في الجنة.
    ولهذا قال أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ كيف يرجو من ينكر رؤية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويرد الآيات والأحاديث في ذلك أن يراه، وقد كَانَ في الدنيا ينكر ذلك؟ وكيف يرجو أن يدخل جنته؟
    وأعظم نعيم في هذه الجنة هي رؤيته تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيزعم الإسلام والإيمان ويرجو أن يدخل الجنة وهو ينفي أعظم نعيم في الجنة جَاءَ التصريح به في كتاب الله وفي سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا عجيب في أمره.

    والآن ننتقل إِلَى إحدى الشبهات في قولهم: إن القُرْآن مخلوق.
  5. رد شبهتهم في الاستدلال بقوله تعالى: (( الله خالق كل شيء ))

    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
    [وأما استدلالهم بقوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء))[الرعد:16] والقرآن شيء، فيكون داخلاً في عموم "كل " فيكون مخلوقاً!! فمن أعجب العجب.
    وذلك: أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى، وإنما يخلقها العباد جميعها، لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم "كل" وأدخلوا كلام الله في عمومها مع أنه صفة من صفاته، به تكون الأشياء المخلوقة، إذ بأمره تكون المخلوقات، قال تعالى: ((وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر))[الأعراف:54] ففرق بين الخلق والأمر، فلو كَانَ الأمر مخلوقاً للزم أن يكون مخلوقاً بأمر آخر، والآخر بآخر، إِلَى ما لا نهاية له، فيلزم التسلسل وهو باطل، وطرد باطلهم أن تكون جميع صفاته تَعَالَى مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرهما، وذلك صريح الكفر فإن علمه شيء، وقدرته شيء، وحياته شيء، فيدخل ذلك في عموم كل، فيكون مخلوقاً بعد أن لم يكن، تَعَالَى الله عما يقولون علواً كبيراً]اهـ.

    الشرح:
    هذا الاستدلال حقاً عجيب، وهو مما ناظروا به الإمام أَحْمَد والكناني وغيره، يقولون: إن الله تَعَالَى يقول: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء))[الرعد:16] أليس القُرْآن شيء؟
    فيُقَالُ: نعم شيء.
    فيقولون إذاً القُرْآن مخلوق، فيجعلونه مخلوقاً وهو كلامه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يتكلم به.
    فيقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إن هذا من أعجب العجب أن تقولوا إن أفعال العباد كلها خلقها العبد، وهي شيء، ولا تدخل في قوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)) [الرعد:16] وتقولون إن كلام الله شيء، ويدخل تحت قوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء))[الرعد:16] فهو مخلوق عندكم، انتقل من الرد عليهم بالأدلة العلمية المعروفة، إِلَى الرد عليهم من داخل مذهبهم، كما سبق أن أوضحنا.
    ونرد عليهم بأن كلمة "كل" هنا لا تعني كل المخلوقات بلا استثناء ولا عَلَى الإطلاق، ومن ذلك أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال عن الريح التي أرسلها وسلطها عَلَى عاد ((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا))[الأحقاف:25] فمعنى ذلك عَلَى كلامهم: أنها تدمر السموات والأرض والجبال وكل ما يطلق عليه شيء، والواقع أنها لم تدمر إلا ما أُمِرَتْ بتدميره، وما كلفت أن تدمره، فليس معنى كلمة (كل شيء) عَلَى الإطلاق الذي لا استثناء فيه، وكذلك في قصة بلقيس ملكة سبأ ((وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ))[النمل:23]
    فهل معنى ذلك: أنها أوتيت من كل خزائن الدنيا وملكها؟ لا، إنما أوتيت من كل شيء يحتاجه الملوك، أي: أنها ملكة ومملكتها فيها كل شيء من لوازم الملك، فلها مملكة مثلما أن لسليمان عَلَيْهِ السَّلام مملكة، فالعموم في كلمة كل بحسب موضعها، وبحسب موقعه،
    لكن المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- عمد إِلَى الاستدلال عَلَى المعتزلة من واقع مذهبهم.
  6. قول المعتزلة في خلق أفعال العباد والرد عليهم

    تقول المعتزلة: إن الإِنسَان يخلق فعل نفسه، والله -عَزَّ وَجَلَّ- لم يخلق في الإِنسَان الشر، ولم يرد منه أن يفعل الشر، وإنما الإِنسَان هو الذي يخلق المعاصي ويخلق فعل نفسه.
    ويقولون: إن هذا تنـزيه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا من توحيد الله، مع أن هذا هو الشرك؛ لأن إثبات خالقين ليس توحيداً وإنما هو الشرك، كما كانت الثنوية المجوس يثبتون إلهين،
    فقالوا أي المعتزلة: إن الإِنسَان يخلق فعل نفسه ويستدلون بقوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء))[الرعد:16] عَلَى أن القُرْآن مخلوق.
    فيقال لهم: لماذا لم تدخلوا أفعال المخلوقات في عموم كل، وقد قال الله تعالى:((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق المخلوقات؛ وخلق أفعالهم، وكلمة كل شيء هنا تشمل أفعال المخلوقات وأنتم تنكرون ذلك.
    ومثل هذا فعل عمرو بن عبيد الذي كَانَ يظهر التنسك والزهد والعبادة الشديدة، فجاءه أعرابي فرآه في تلك الحالة
    فقال له: إن ناقتي قد سرقت فادع الله أن يردها لي، فرفع عمرو بن عبيد يده
    فقَالَ: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقة هذا الأعرابي، اللهم فارددها عليه، فالأعرابي عَلَى سذاجته لا يفهم شيئاً لكن بفطرته قَالَ: لا حاجة لي في دعائك
    قال عمرو: ولِمَ؟
    قَالَ: أخشى ما دام أنه لم يرد أن تسرق فسرقت أن يريد أن ترد فلا ترد.
    فالعقل السليم الفطري يرد أقوالهم هذه جميعاً، فهم يريدون أن ينزهوا الله بأنه لا يريد الشر ولا يخلقه، فهذه السرقة مثلاً يقولون: لا يريدها الله ولم يقدرها، ولم يخلقها وإنما العبد هو الذي يفعل.

    وأما أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فيقولون: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو خالق الإِنسَان، وخالق أفعاله، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل للإنسان إرادة مخلوقه خلقها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يُحاسِب ويجازي عَلَى نتيجتها، وهذا الرجل من شدة تمسكه بمذهبه لم يرد أن يتخلى عنه حتى وهو يدعو للأعرابي، وأراد الله عَزَّ وَجَلَّ أن يفضحه عَلَى يد ذلك الأعرابي الذي لم يتعلم علم الكلام، وليس هو من أهل العلم بالكتاب والسنة، وإنما توسم في عمرو بن عبيد الخير، ورأى فيه علامات الزهد، فطلب منه الدعاء، فبين له الأعرابي بعد أن سماع دعاءه أنه عَلَى هذا الأصل الفاسد عافانا الله وإياكم.
  7. كلام الله غير مخلوق لأن بكلامه يكون الخلق

    استدل المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ بدليل عقلي واضح عَلَى أن كلام الله عَزَّ وَجَلَّ غير مخلوق، وذلك لأن بكلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكون الخلق: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) [يّـس:82] وكما قال أيضاً: ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)) [الأعراف:54] فهو يأمر ويخلق، فإذا كَانَ كلامه وأمره مخلوقاً فبم يكون الخلق؟
    فكلمة "كُنْ" إذا كانت مخلوقة تحتاج إِلَى أمر يخلقها، وهكذا تتسلسل إِلَى ما لا نهاية.
  8. الفرق بين الخلق والأمر

    إن الذي تقطع به العقول التي رزقها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الفهم الصحيح، أن الأمر غير الخلق، فخلق الله هو هذه المخلوقات التي خلقها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مما نرى ومما لا نرى، وأمره سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وكلماته غير مخلوقة، بل بها يكون الخلق، وبها يكون الإخبار، وبها يكون الأمر والنهي.
    وفي هذا قطع لشبهتهم هذه في قولهم: إن القُرْآن مخلوق، وإن كلامه كله مخلوق، وقد بين المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: أنه عَلَى ذلك تكون جميع صفات الله تَعَالَى مخلوقة، كالعلم والقدرة وغيرها؛ لأنا إذا استدللنا بقوله تعالى: ((خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ))[الأنعام:102] عَلَى أن كل شيء مخلوق، فعلمه شيء، وقدرته شيء، وإرادته شيء وهكذا، فتصبح كل صفات الله عَزَّ وَجَلَّ مخلوقة، وهذا كفر، وهم كذلك يقولون: هذا الكلام كفر.
    فنقول لهم: وكلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صفة من صفاته، كسائر الصفات التي لا توصف بأنها مخلوقة؛ بل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له الخلق وله الأمر.

    والآن ننتقل إِلَى شبهة من الشبهات التي يرددونها كثيراً، وهي قولهم: إن المُتكلّم هو من قام به الكلام لا من فَعَلَ الكلام.
  9. رد شبتهتهم أن المتكلم هو من قام به الكلام لا من فعل الكلام

    قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
    [وكيفَ يَصِحُ أن يكونَ مُتكلماً بكلام يَقُومُ بغيره؟ ولو صَحَّ ذلك لَلَزِمَ أن يكونَ ما أَحَدَثه مِن الكلام في الجمادات كلامه!
    وكذلك أيضاً ما خَلَقهُ في الحيوانات ولا يُفرَّقُ حينئذ بين نَطَقَ وأَنْطَقَ وإنَّما قالت الجُلُودُ ((أَنطَقَنَا اللَّهُ))[فصلت:21] ولم تَقُلْ نطقَ الله؛ بل يلزم أن يكونَ مُتكلّماً بِكُلِّ كلامٍ خَلَقَهُ في غيرِه زوُراً كَانَ أو كذباً، أو كُفراً أو هذياناً!! تَعَالَى الله عن ذلك. وقد طرَّدَ ذلك الاتحادية فَقَالَ ابن عربي:
    وكُلُّ كَلامٍ في الوُجُودِ كلامُه            سَوَاءٌ عَلَينا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ
    ولو صَحْ أن يُوصَفَ أَحَدٌ بصفةٍ قامتْ بغيره لَصَحَّ أنْ يُقالَ للبصير: أعمى وللأعمى بصير! لأن البصيرَ قد قَام وصفُ العمى بغيره والأعمى قد قَامَ وَصفُ البصرِ بغيره، ولَصَحَّ أن يُوصَفَ اللهُ تَعَالَى بالصفاتِ التي خَلََقَها في غيره من الألوان والروائِح والطُّعُومِ والطول والقِصر ونحو ذلك] اهـ.

    الشرح:
    هذه شبهات ولكنها تبدوا لذى العقل السليم الناضج أنها لا تستحق أن يمارى ولا أن يجادل بها في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، ولكن شهوة الجدل، والاعتراض عَلَى الله ورسوله، وعدم التسليم والانقياد له، هي الدافع وراء هذه الشبهات، فأرادوا أن يأتوا بهذه الشبهة ليتخلصوا من إثبات صفة الكلام لله عَزَّ وَجَلَّ.
    فَقَالُوا: إنَّ المتكلم ليس هو من فعل الكلام؛ ولكن المتكلم من يقوم به كلام غيره، فيقولون -مثلاً- في كلام الله لموسى: إن الشجرة هي التي نطقت وتكلمت، فكلام الله قام بالشجرة، فقالوا الشجرة هي التي تكلمت، أما الله عَزَّ وَجَلَّ فإنه لا يتكلم، ونفوا عنه الكلام، فالكلام عندهم ما يقوم بغير المتكلم.
    ومعنى قول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [وكيفَ يَصِحُ أن يكونَ مُتكلماً بكلام يَقُومُ بغيره؟] وهو المتكلم.
    نقول: هذا كلام الله قام بغيره [ولو صَحَّ ذلك لَلَزِمَ أن يكونَ ما أَحَدَثه مِن الكلام في الجمادات كلامه!] وغيرها كلامه، وبناءاً عَلَى كلامهم فإنه يمكن أن يكون كل كلام فإن الله هو الذي تكلم به وإنما قام بغيره، وعلى هذا لا يستقر للناس نظر ولا عقل.
    وذكر المُصنِّف أن الجلود تقول: أنطقنا الله، ولم تقل: نَطَقَ الله، فالله عَزَّ وَجَلَّ هو الذي انطقها وهي التي تتكلم، وعلى كلام المعتزلة وأمثالهم يكون الكلام كلامه والنطق نطقه قام بغيره، وهكذا الاتحادية أي: أصحاب الاتحاد الذين يقولون: إن الخالق والمخلوق متحدان في ذات واحدة -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- يقول: طردوا ذلك، أي عمموه وجعلوه قاعدة مطردة، فهذا اللازم الذي نَحْنُ نلزم به المعتزلة والكلابية ينفي أن يكون كلام أي شيء هو ما قام في غيره، هذا جعلته الاتحادية هو الحقيقة، ولهذا الاتحادية يقولون: إن كل متكلم في الوجود هو الله، وقد جَاءَ المُصنِّف بكلام ابن عربي:
    وكُلُّ كَلامٍ في الوُجُودِ كلامُه            سَوَاءٌ عَلَينا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ
    فكل متكلم عندهم هو الله، حتى أن هذا الخبيث الكافر ابن عربي قَالَ: لما قال فرعون أنا ربكم الأعلى كَانَ صادقاً.
    فإنه ما تكلم إلا الله -والعياذ بالله- فهو الذي قال أنا ربكم الأعلى، وكلام موسى كلام مَن؟!
    إذاً كَانَ كله كلام الله، فكيف يكون كلام فرعون هو كلام الله، وكلام موسى هو كلام الله، إذاً كلام الله يناقض بعضه بعضاً، وهذا المذهب واضح البطلان، وواضح التهافت، ومن وضوح بطلانه وفساده وكفر صاحبه وردته نستدل به عَلَى الكلابية والأشعرية والمعتزلة، لأنه يُلزم من كلامهم هذا الشيء، إلا أن يثبتوا أن كلامه جل شأنه هو الذي تكلم به سبحانه عَلَى الحقيقة، وكلام المخلوقات هو الذي خلقه فيها، وهو الذي أنطقها به، فالكلام كلامان كلام الله عز وجل غير مخلوق، وكلام المخلوقات وهو الكلام المخلوق.
    وذكر المُصنِّف أيضاً بعض الأدلة العقلية التي لو تأملها العاقل لوجد أنها تقنعه يقول: لو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره، لصح أن يقال للبصير أعمى وللأعمى بصير، لأن الإِنسَان هو بصير لكن العمى قام في غيره، فيصح أن يقال لك أيها المبصر: أنت أعمى، فإذا قلت له: أنا لست أعمى: فيقال لك: أليس فلان أعمى؟ فالعمى قام بغيرك إذاً أنت أعمى، أو العكس، وهذا الكلام لا يقوله عاقل. وهذا دليل عَلَى أن هَؤُلاءِ لا عقل لهم ولا نقل.
    وقال أيضاً ولصح أن يوصف الله تَعَالَى بالصفات التي خلقها في غيره من الألوان والطعوم والروائح، والطول والقصر وهذا لازم ووارد، وهم يقولون إن من وصف الله بشيء منها فهو كافر، ويردون ما أثبت الله لنفسه من الصفات من أجل التنزيه.
    ويقولون مع ذلك: إن الكلام هو ما قام بغيره.
    فيقال لهم والعياذ بالله: إن هذه الطعوم والألوان والروائح وما في المخلوقات من الصفات نثبتها لله.
    فإذا قالوا: لا. كيف نثبتها لله؟
    قلنا: هي له؛ ولكنها قامت بغيره كما تقولون في الكلام.
    فالكلام صفة من صفات الله غير مخلوق، وكذلك سائر صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، فليس شيء من صفاته مخلوق أبداً، وما عداه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه مخلوق، وكلامهم مخلوق.